المتابعون

whatsapp

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Translate

زائر

خطبةٌ بعنوان: ﴿إن رحمة الله قريب﴾ بقلم: محمد المهنا


❁ ❁ ❁

إنِ الْحَـمْدَ لِله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ‪
‬(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ)‪.

‬(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)‪.

‬(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد ، أيها الناس :
فإن الله عز وجل قد كتب على نفسه الرحمة، وأخبر أنه واسع المغفرة، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأخبر أنه أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وسمَّى نفسه الكريم، والغفور والرحيم، والعفو والحليم .

فسبحانه ما أكرمه، وسبحانه ما أرحمه وما أحلمه، والشكر له على عظيم عطائه وكريم آلائه وحسن بلائه.

أيها المسلمون:
وقد علم الله وهو علاّمُ الغيوب، أن العباد مواقعون لا محالة للذنوب، وأنهم سيصيبهم من الشيطان ما يصيبهم، وأنهم ربما تلطّخوا بدنس المعاصي فمستقلٌّ ومستكثر، ولذلك فتح عز وجل باب الرجاء لأولئك العباد ليتوبوا إلى ربهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا وينزعوا عما هم عليه من الذنوب والمعاصي.

أيها المسلمون: كلنا خطاؤون، وكلنا مذنبون، غير أنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الضالون.

وهذه رسالة أسوقها على عجل إلى كل من عصى الله منا حتى ضاق صدره وأظلم قلبه وأسودت الدنيا في عينيه.
إلى كل من شعر بالوحشة بينه وبين مولاه.
إلى كل من أحس بحياة الضنك وعيشة السأم والملل.
إلى كل من ظن بالله ظن السوء فاستبعد رحمة الله ويأس من روح الله.
إلى كل مقصر في الصلاة.
إلى كل عاق لوالديه.
إلى من أكل الحرام أو شرب الخمر أو تلطخ بدنس الزنا.
إلى كل من عصى الله بصغير الذنوب أو كبيرها..

لهؤلاء جميعاً أقول: إن رحمة الله قريب، وإن باب التوبة مفتوح، فافتح للذكر فؤادك، وللعلم آذانك، وأبشر بالسعادة في الدنيا والآخرة.

أخرج الإمام الترمذي من حديث أنس ‪رضي الله عنه‬ قال سمعت رسول الله ‪ﷺ‬ يقول: (قال الله عز وجل: يا ابن آدم إنك ما دعوتي ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).

لا إله إلا الله ما أرحم الله .. لو بلغت ذنوب ابن آدم السحاب من كثرتها وعظمتها ثم استغفر الله غفر له ورحمه ومحا عنه تلك السيئات بل وبدلها إلى حسنات !!

فسبحان الله ما أكرمه فقد فتح لعبده باب الرجاء فأخبر أنه بمجرد الدعاء والرجاء فإن الله يغفر الذنوب ولو كبرت وتعاظمت.

استمعوا رحمكم الله إلى هذه الآية وتفكروا واعتبروا واحمدوا الله تعالى على فضله ورحمته وإحسانه:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}.
هذه كلها من أكبر الذنوب: الشرك، والقتل، والزنا.
ما جزاء من اقترف تلك الآثام؟ قال عز وجل: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}.
ثم فتح الله باب الرجاء حتى لأولئك المذنبين فقال: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
نعم .. هذا فضل الله، أمثال الجِبال من السيئات تُبَدَّل إلى أمثال الجِبال من الحسنات والله ذو الفضل العظيم.

ومثل ذلك قصة موسى مع قومه الذين عبدوا العجل، فعندما رجع موسى من ميقات ربه وجد قومه يعبدون العجل من دون الله، فغضب الله وغضب نبيه موسى، وأخبر عن غضبه على أولئك القوم فقال: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ).
ثم فتح الله في الآية التي بعدها، فتح الأبواب لمن أراد التوبة حتى من أولئك المشركين فقال:
{وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

فما ظنكم يا عباد الله بمسلم يقول لا إله إلا الله ثم تقع منه المعاصي والذنوب، أفلا يكون مبشراً بالتوبة إن هو تاب وأناب؟
فليس بين المذنب وبين رحمة ربه إلا أن يندم على ذنوبه ويقلع عنها ويعزم على ألا يعود فيها ويستغفر الله، عند ذلك يدخل بفضل الله في قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}

قال الإمام ابن رجب رحمه الله : وتفكروا في قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فإن فيه إشارة إلى أن المذنبين ليس لهم من يلجأون إليه ويعوِّلون عليه في مغفرة ذنوبهم غيره، وكذلك قوله عز وجل : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) فرتَّب توبته على ظنهم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن العبد إذا خاف من مخلوق هرب منه وفرّ إلى غيره وأما إن خاف من الله فما له من ملجأ يلجأ ولا مهرب يهرب إليه إلا هو سبحانه، فيهرب منه إليه كما كان النبي ‪ﷺ‬ يقول في دعائه "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" وكان يقول: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك" انتهى كلامه رحمه الله.

فالله عز وجل غفر للثلاثة الذين خُلِّفوا حينما لجأوا إلى الله ورجوا وظنُّوا أنه لن يخلصهم إلا هو سبحانه، فحينما علم من قلوبهم صدق اللجا، وعظيم الرجا، أنزل توبته عليهم وأنزل فيهم آيات تتلى إلى يوم القيامة، وهكذا كل من حسّن ظنه بربه فإنه سبحانه لا يخيّب ظنه بل إن عز وجل يرحمه ويغفر له ويوفقه إلى كل خير ويصرف عنه كل شر وبلاء.

وفي ذلك يقول الله عزوجل كما في الحديث القدسي: (أنا عند ظني بي) وعلى ذلك فمن ظن بالله خيراً حصل منه على الخير ومن أساء ظنه بربه باء بالخسار والبوار جزاءً وفاقاً.

فيا عبد الله .. يا من أسرف على نفسه بالذنوب .. إن أردت الخلاص فأمامك رحمة الله فقد فتح الله لك أبواب فضله .. تذنب كثيراً وتعصي سراً وجهاراً ليلاً ونهاراً، ثم إذا دعوت ربك ورجوته أن يغفر لك، غفر لك على ما كان منك ولا يبالي، بل هو يفرح بتوبتك ورجوعك إلى رشدك بعد غّيك وضلالك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد ، أيها المسلمون:
فقد أخبرنا الله في مواضع من كتابه بأنه عز وجل واسع المغفرة وبأن رحمته وسعت كل شئ، وأخبر النبي ‪ﷺ‬: (أن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي) أخرجاه في الصحيحين.

وفي الصحيحين أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قُدِم على رسول الله ‪ﷺ‬ بسبي فإذا امرأةٌ من السبي تسعى، فوجدت ولدها، فأخذته فالزقته ببطنها فأرضعته فقال ‪ﷺ‬: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا والله يا رسول الله، فقال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها).
فيا من قنَّطه الشيطان من رحمة ربه، هذا كلام الله، ومن أحسن من الله قيلاً؟

وهذا كلام رسول الله وما ينطق عن الهوى. فما عليك إلا تستغفر ربك الغفور وتندم على ما مضى منك وتعزم على ألا تعود، فعندها يفرح الرب الكريم، فيثيب الأجرَ العظيم والعطاء الكريم.

وأياك يا عبدالله أن تقنط وأن تستكثر ذنوبك وتظن أن الله لا يغفرها لك، فإن جاءك الشيطان وكثّر ذنوبك في عينيك لئلا تتوب فتذكر أن الله قَبِل توبة رجل قتل تسعة وتسعين نفساً وأكمل المئة بأن قتل أحد العبَّاد الصالحين، فما هو إلا أن استغفر الله وتاب إليه توبةً صادقة، حتى تاب الله عليه وأمر به إلى الجنة.

اللهم وفقنا للتوبة النصوح، وأعِنّا على العمل الصالح، وتقبل منا يا أرحم الراحمين.

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين.

اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حميد مجيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاهذ أيضاً