المتابعون

whatsapp

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Translate

زائر

خطبةٌ عن طهارة القلب وسلامته


إنِ الْحَمْدَ لِله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
‪
‬(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ)‪
‬(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
‪
‬(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد أيها المسلمون:

فإن طهارة القلب والروح، من أخص الخصال، وأصفى الصفات، لذا كان من وصف الله لخليله الكريم إبراهيم (إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

واختص الله الخليل الثاني، وهو نبينا محمدٌ ﷺ بأمر لا نعلمه وقع لأحد من العالمين سواه، فطهر قلبه، وحفظه وهو في صِغره من أدواء الصدور؛ قال أنسٌ - رضي الله عنه: (أتَى جبريلُ النبيَّ ﷺ وهو يلعبُ مع الغِلمان، فأخذَه فصرَعَه فشقَّ عن قلبه فاستخرجَ القلبَ واستخرج منه علَقَةً، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسلَه في طستٍ من ذهبٍ بماءِ زمزم، ثم لأَمه ثم أعادَه في مكانه) رواه مسلم.

ولما أراد الله أن يُكرِمه بالإسراء والمِعراج غسلَ قلبَه مرةً أخرى؛ قال عليه الصلاة والسلام: «نزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري -أي شقَّه- ثم غسلَه بماء زمزَم، ثم جاء بطستٍ من ذهبٍ مُمتلئٍ حكمةٍ وإيمانًا فأفرغَها في صدري ثم أطبقَه، ثم أخذَ بيدي فعرَجَ بي إلى السماء» متفق عليه.

ولما شرفه الله بالرسالة أمرَه بالحِفاظ على سلامةِ قلبه؛ فقال له: ﴿يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾.
قال سعيدُ بن جُبيرٍ رحمه الله "أي طهر قلبكَ ونيَّتك.
ولذا كان من دعاء النبي ﷺ في دعاء الاستفتاح: «اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، اللهم اغسِل خطايايَ بالماء والثلجِ والبَرَد» متفق عليه.
وكان من دعائه عندما يرفع من الركوع (اللهم لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ) رواه مسلم.

وكان من دعائه ﷺ في سائر أحيانه: «اللهم زيِّنَّا بزينةِ الإيمان واجعلنا هداة مهتدين».

وجعل الله سبحانه دخول الجنةِ موقوفًا على الطِّيب والطهارة، فلا يدخلُها إلا طيبٌ طاهرٌ؛ قال تعالى: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).

وجعل طهارة القلبِ شرطاً لدخول الجنة؛ قال سبحانه: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾.

قال ابن القيم رحمه الله: "لا يُجاوِرُ الرحمنَ قلبٌ دُنِّس بأوساخِ الشهوات والرياء أبدًا".

والحِقدُ والحسدُ داءٌ في القلوبِ، إن لم يُتدارَك بالدعاء وسلامةِ الصدرِ أظلمَ به؛ قال عليه الصلاة والسلام: «لا تباغَضوا ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا».

وقدِمَ رجلٌ على النبيِّ ﷺ فقال لأصحابه قبل أن يقدم عليهم: «يطلُعُ عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة». فلما سُئِل ذلك الرجل عن عمله قال: إني لا أجِدُ في نفسي لأحدٍ من المُسلمين غشًّا، ولا أحسِدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه؛ رواه أحمد.

ومن دعاء المُؤمنين: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾.
قال ابن القيم رحمه الله: "ما رأيتُ أحدًا أجمعَ لخِصال الصفحِ والعفوِ وسلامةِ الصدر من ابن تيمية".

والقلبُ أيها المؤمنون شديدُ الصفاءِ، سريعُ التأثُّر، تُؤثِّرُ فيه الخطيئة الواحدة؛ قال عليه الصلاة والسلام: «إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا هو نزَعَ واستغفرَ وتابَ صُقِل قلبُه، وإن عادَ زِيدَ فيها حتى تعلُوَ قلبَه، وهو الرانُ الذي ذكرَ اللهُ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾»؛ رواه الترمذي.

والتعرض للفتن كالنظرات المحرمة والمآكل الخبيثة والشبهات المردية سبب لفساد القلب، والتحرز منها والإعراض عنها سبب لطهره وصلاحه، قال عليه الصلاة والسلام: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحَصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ بيضاء»؛ رواه مسلم.

وكلامُ ربِّ العالمين شفاءٌ للأبدان والصدور؛ قال عز وجل: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾.

ومخالفة أمر النبي ﷺ سبب للفتنة والزيغ، قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).

والزكاةُ تُطهِّرُ القلبَ وتزكيه؛ قال سبحانه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾.

أيها المُسلمون:
أمر تطهير القلوب أمر عظيم، فاتقوا الله وراقبوه، وألحوا عليه أن يصلح قلوبكم وأن يصرفها إلى طاعته ومرضاته، قال رسول الله ﷺ: (إنَّ قلوبَ بَني آدمَ كلَّها بينَ إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ كقَلبِ واحِدٍ يصرِفُهُ حيثُ يشاءُ، ثمَّ قالَ رسولُ الله ﷺ : اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ) رواه مسلم.

وجددو إيمانكم بصحبة الأخيار، وحضور مجالس الذكر، وإدمان النظر في كتب أهل العلم، وأجلُّها وأجلاها أثراً ما استنار بكلام الله وكلام نبيه ﷺ.
قال الإمام الذهبي رحمه الله في وصيته: (فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في "الصحيحين"، وفي "سنن النسائي" و"رياض النواوي" و"أذكاره" تفلح، وإياك وآراء الفلاسفة، وأهل الرياضات، أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم. انتهى كلامه رحمه الله.

اللهم أصلح قلوبنا وأخلص نياتنا واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
 
 
الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، أيها المسلمون:
فمع عناية القرآن بأمر طهارة القلب وكثرة تردد هذا المعنى الشريف فيه، إلا أنه هذا اللفظ ذاته لم يرد إلا في مواضع يسيرة منه، منها قول الله تبارك وتعالى في شأن النساء ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾
نعم أيها المسلمون، الحِجابُ سبب الطهر والعفافٌ، والتبرج والاختلاط باب الشر وفساد، فمن أراد طهارة قلبه وطهارة قلب امرأته وأخته وبنته فليلزم شرع الله، وليبتعد عن مواضع الفتن ومواقع الشبهات.

ومن واجبات الوقت وفروض الزمان: تعزيز هذه القيم العظيمة والحرص عليها والدعوة إليها، أعني الدعوة إلى تستر النساء واحتجابهن عن الرجال، لا سيما وقد فُتحت السماء ببث منهمر يحارَب فيه الحق ويزيّن الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فمن دعا الناس إلى مزيد الخير والفضيلة فله منا الإعانة والشكر، ومن مولانا تبارك وتعالى الإثابة والأجر.
ومن دعا النساء إلى التساهل بأمر الحجاب، والظهور بالسفور أمام الرجال فالواجب ردعه والرد عليه، فإنه من المتبعين للشهوات.
(والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، ووفقنا للهدى والنور والحق المبين.
اللهم أحينا على الإسلام، وتوفنا على الإيمان، وثبتنا على الحق، واجعلنا من عبادك الصالحين.

اللَّـهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حميد مجيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شاهذ أيضاً