خطبةٌ بعنوان:
سلطان القرآن
http://twitmail.com/31IC
بقلم: محمد المهنا
إنِ الْحَمْـدَ لِله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ)
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد أيها المسلمون:
فلا ثناء أعظم من ثناء الله، ولا تكريم أكرم من تكريمه، ولا فضل ولا منَّة أفضل من فضله ومنَّته.
وفي كتاب الله من الثناء على طائفة من عباده ما يُقضى العجبُ من حسنه وجماله وكماله.
اقرأ يا عبدالله سورة الأنعام، واقرأ سورة هود، واقرأ سورة الأنبياء، واقرأ سورة ص، تجد أنواعاً من ثناء القرآن على الأنبياء والمرسلين
وفي سورة مريم من مدائح الأنبياء والصالحين ما يُشجي الأرواح ويُدمِع العيون، ويملأ القلوب بالجلال.
اقرأ في أولها ذِكر زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا
ثم يحيى الذي لم يجعل له سميا
ثم مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً
ثم عيسى عليه السلامُ يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا
ثم إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً
ثم موسى الذي قربه الله نجياً
ثم إسماعيل الذي كان عند ربه مرضياً
ثم إدريس الذي رفعه مكاناً علياً.
ثم اسمع هذه الخاتمة التي تفيض عظمة وجلالاً (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا)
تلك صفاتهم، وهذه حال من أخص أحوالهم وأولاها بالثناء (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا)
وفي صفة أهل العلم يقول الله تبارك وتعالى (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا*ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا*ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً)
إنه سلطان القرآن
إنها سطوة كلام الله على قلوب عباد الله، فلا يملكون وهم يستمعون أعظم الكلام وأكمله وأحسنه إلا أن يخروا بجوارحهم وقلوبهم سجداً خُشّعاً باكين، فالسجود للجسد، والبكاء للمُقل، والخشوع للقلوب.
﴿الله نزَّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء﴾
هذه حال أهل الصلاح والتقوى، من الأنبياء والمرسلين، ومن العلماء والصديقين والصالحين.
ومع أن سطوة القرآن أعظم أثراً وأحسن تأويلاً على أهل الإيمان، إلا أن للقرآن سطوة عجيبة حتى على الغافلين، بل على الشانئين، بل على المعاندين كما في الخبر أن النبي ﷺ قرأ سورة النجم وهو جالس حول الكعبة، فأنصت إلى تلاوته أعداؤه من المشركين، فما زال يقرأ وما زالوا ينصتون، حتى بلغ آيات تعظيم الله وتمجيده وتوحيده (وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ المنتهى*وَأَنَّهُ هو أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ* وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ* مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ * هَٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا۩)
قال ابن عباس كما في البخاري: فسجد النبي ﷺ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ.
سجدوا وهم مشركون، وهم يجادلون في الله، وهم يكفرون بالرحمن، أسجدهم الله بسلطان القرآن الذي لم يستطيعوا مقاومته، ولم يملكوا مدافعته رغم قسوة قلوبهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله﴾
ورغم أن هذا شيء عجيب إلا أن الأعجب منه أن يتأثر بالقرآن من لا يفهم لغة العرب ولا يدري ما هي، وهذا أمر في غاية العجب ولولا تواتر الأخبار بذلك لما صدقه العقل ولا اطمأن له القلب، لكن أمر واقع بل كثير الوقوع، ولا تفسير له والله أعلم إلا ما وضعه الله في القرآن من البركة التي تهدي القلوب وتشرح الصدور وتريح النفوس وتشفي بإذن الله المرضى
يقول أحد الباحثين المعاصرين: حين قدمت إلى المجتمع الغربي اعتنيت عناية بالغة بتتبع أخبار حديثي العهد بالإسلام، كنت أحاول أن أكتشف جواب سؤال واحدا فقط: ماهو أكثر مؤثر يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام؟ وذلك لأستفيد من ذلك الجواب في دعوة البقية، كنت أظن أنني سأصل إلى نظرية معقّدة حول الموضوع، أو تفاصيل دقيقة حول هذه القضية لا يعرفها كثير من الناس! فقرأت لأجل ذلك الكثير من التجارب الذاتية لشخصيات غربية أسلمتْ، وشاهدتُ مقاطع كثيرة مسجلة يروي فيها غربيون قصص إسلامهم، فعجبت أشد العجب من السبب الأول لإسلام كثير منهم، وهو أنهم سمعوا القرآن فشعروا بشعور غريب استحوذ عليهم.
ثم قال: هذا الأمر يتكرر تقريباً في أكثر قصص الذين أسلموا، وهم لا يعرفون اللغة العربية أصلاً! لكنها سطوة القرآن. انتهى كلامه أثابه الله
وشواهد ما قاله هذا الباحث كثيرة في الواقع وقد حدّث داعية هو أكبر الدعاة الأمريكيين في عصرنا بقصة طويلة عجيبة هي قصة إسلامه، فكان مما قال وهو يروي خبر حواره مع داعية مسلم اسمه محمد.
قال: ثم تلا عليّ محمد الداعية شيئاً من القرآن، ورغم أن قراءته كانت بالعربية، ورغم أنني لم أكن أفهم من العربية شيئاً، إلا أن قراءته كانت تهز قلبي هزَّاً عنيفاً، وكنت أجد من اللذة والراحة والطمأنينة والمشاعر العجيبة أثناء التلاوة ما كان أولَ أهمِّ الأسبابِ التي دعتني إلى اعتناق الإسلام.
هذا ما قاله ذلك الداعية الأمريكي الكبير الذي أسلم من ربع قرن وهدى الله على يديه آلاف الغربيين، وقصته مشهورة منشورة صوتاً وصورة ورقما.
إنه القرآن بإعجازه البياني العجيب الذي يخلب لب العربي وبجرس ألفاظه الذي ينفذ إلى قلب الأعجمي وببركته العظيمة لهؤلاء وهؤلاء، تلك البركة التي لا يعلم مقدارها وأسرارها وآثارها إلا الله تبارك وتعالى
(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
(وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)
(كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.
اللهم مُنَّ علينا بحب القرآن وحلاوة التلاوة وافتح علينا من نفحاته وفتوحاته وعظيم بركاته.
إنك على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي لكم، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة
ثم إني أوصيكم بالصلاة والتسليم، على المصطفى الكريم، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فإنها وصية الله تعالى لكم، وقد وعدكم إن أتيتم بها بالأجر العظيم والفضل العميم.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،
وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك المؤمنين يا قوي يا عزيز يا متين
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق